وأخيراً .. الصخرة تهزم سيزيف !

حسناً , لأن كل ما أفكر به يتعفن بعد يومين قبل أن ينضج حتى في رأسي , لذا سأكتب الآن قبل أن أفكر , ربما وأنا أفكر للتو .. لن أبتدع حكاية جديدة وشخوص يقلقون نومي بهمهماتهم وقراراتهم وتحولاتهم في مسار القصة , فأنا أعي تماماً مدى الصداع الذي يسببه جدال عقيم مع أحد الشخوص في قصتك لتقنعه بأن يغير رأيه أو سلوكه أو حتى قميصه المقلم وأحياناً حتى أسماءهم , إنهم مستبدون بعنجهية الذين يولدون كباراً فجأة .. سئمت البشر في الوجود فكيف بهم وهم يشوهون حتى الخيال , لذا سأكتب اليوم عن صخرة , ولن أغمض عيني لأتخيل الحوارات القصيرة التي كانت تجريها ذرات الرمل قبل أن تتوحد في صلبها, سأترك عيني مفتوحتين ويدي تكتبان نهايات عديدة لها وهي تتدحرج من بين يدي سيزيف المتعبتين !

السيناريو الأول ..
في ظلمة العالم السفلي , تتحلق مجموعات من البشر المشوهين , يؤنسون بعضهم البعض في وحشتهم وهم يتباشرون في كل زائر جديد ينعش ذاكرتهم بأخبار جديدة لم يلحقوا على بقيتها بموتهم السابق . لكنهم لم يجرؤا على الحديث مع سيزيف الذي لعنته الآلهة لذكائه ومكره , حمقى مازالوا يخشون أن يميتهم رغم موتهم الوشيك !
كانت تناسبه تلك العزلة التي فرضوها عليه , تمنحه وقتاً كافياً للتأمل والخلاص من هذه الظلمة التي يترنح بها وهو يخطو للمرة الأولى نحو صخرته الضخمة .. اقشعرت تلك الصخرة الجاثمة في مكانها منذ الأزل عندما لمسها سيزيف بأصابعه التي نحتتها الإرادة وراحة يده التي تبللت ببكاء القدر على شقائه !

السيناريو الثاني ..
رفع سيزيف الصخرة على كتفيه وتحدب ظهره ليرفع ثقلها أيضاً, للمرة الأولى تشعر بثقل وجودها , هي محتارة بين خدر جاذبية الأرض الساكنة وعناء الابتعاد عنها والتأرجح على ظهر رجل يضاهيها بصلابته ,
إنها ترتعش وستسقط يا سيزيف ليس تآمراً مع نزوات الآلهة التي فَضَحْت سرها , و إنما لأنه سيغمى عليها فهي لم تواجه حرية الاختيار أبداً , ولا بد أنك تعرف أن الحرية تصيب بالدوار في أولها ..
تدحرجت الصخرة وسيزيف يقف منتصباً يلعنها !

السيناريو الثالث ..
يلحقها سيزيف ثانية وثالثة ومرات عديدة و لكن في كل مرة يخطو للأعلى خطوة إضافية , فهي بدأت تعي بِذَراتها الصغيرة معنى أن تقاوم تلك الجاذبية للأرض العجوز وتستقر بين كتفيه وتشعر ببلل عرق ظهره على صدرها فتصير ألين وتتقعر لداخلها بينما يتحدب ظهره خارجه , إنه سيزيف الماكر الصابر الذي صار جسده ينحت الصخر فحتى أصابعه الطويلة غاصت في خاصرة الصخرة ويوماً ستتعانق من خلالها وصدق ذلك الحلم اللذيذ فتخدرت أصابعه وسقطت تلك الصخرة رغماً عنها فأنّت متوجعة وهي تتدحرج لتتصدع !

السيناريو الرابع ..
_ لو كنتِ امرأة أيتها الصخرة لقبلتك لكثرة التصاقك بي وتغطية عيني عن الآلهة فلا يروا بريق نشوتها بخدعتي الجديدة .
_ لو كنت ريحاً عاصفة لاحتضنتك وأنت تعري جسدي فيصير وجودي أخف بحريته !
توقف لبرهة سيزيف مذهولاً وهو يتلفت حوله ويدقق في وجوه الأشقياء من حوله هل سَمِعه آخر ورد عليه بينما هو يناجي صخرة صماء تثقل كاهله وتستر نواياه , ارتبك سيزيف وتدحرجت الصخرة وهي تبتسم هذه المرة بعدما سمعت صوتها لأول مرة فمنذ أمدٍ طويل أصابتها تخمة الصمم !

السيناريو الخامس ..
_يقود سيزيف ثورة في العالم السفلي بعدما خدع ثانتوس حارس الموت وجعله يجرب الأصفاد على نفسه ليتأكد منها , ثورة جعلت العالم السفلي يتكدس بمن يرفضون الموت , كان الكل سعيداً بها إلا تلك الصخرة التي بدأت توبخها الأرض العجوز حينما جثمت عليها مرة أخرى ولكن بملامح متجددة نُحتت بها خاصرتها فصارت أجمل وهي تختزل تلك الإرادة بداخلها و تفتت حبيبات رملها فتخدش ظهرها بالأشجار والصخور والريح من حولها, سيزيف يثور بالخارج وهي تثور على داخلها .. لقد أغرمت به وتريد أن تنحت عيناً لتراه ولو لمرة أخيرة !

السيناريو السادس ..
تعود الآلهة لمعاقبة سيزيف على مكره بدحرجة صخرته التي صارت أكثر نحولاً و خفة من قبل , يحملها على كتفيه ويعدو بها سريعاً وهو يضحك نكاية بتلك الآلهة ويهمس بسره لصخرته بأنه أتفق مع زوجته بأن تمتنع عن تقديم أضحيتها المعتادة له , حتى يشكو للآلهة برسيفوني من أن زوجته تهمله وتتجاهله وسيقنعها بأن يعود لها فيأمرها بالإحسان له , كانت صخرته مفتونة برجولة إرادته فلما سمعت حديثه علمت بأنه لن يعود بعد اليوم لحملها على ظهره , وعندما يغادر فإنها لن ترى قمة العالم السفلي التي كانت تحلم بها على سفح الجبل كل العمر , لذا تصلبت على ظهره فتقعرت أكثر لتكون بحجم تحدب ظهره , التصقت به تماماً حتى شعر بوخزها سيزيف الذي نحت الجبل بخطواته التي لم تصل يوماً , كان يعرف تماماً أين تقع منه كل مرة لذا توقف حين وصل لأثر خطوته الأخيرة التي تركها على الجبل قبل ثورته , ولكن لم تقع تلك الصخرة بعد, إنما على كتف تساقطت حبات رمل فتركت تجويفاً في رأس الصخرة يشبه العين التي يعبرها الفضاء ويبقى صافياً تماماً !
مشى خطوة للأعلى وهو ينتظر دويها في تدحرجها ولكنها لم تفعل لقد قررت تلك الصخرة أن تصل للأعلى ولو بذرة رمل وحيدة كانت شكلها الأولي في بدأ الخلق !

About seham2010

كاتبة سعودية , مزاجية جداً تاريخ ميلادها :9/5/1986 , ربما يوم الأحد لأنها أكثر الأيام المكررة التي تختبئ تحتها كل الألغام بحلوها ومرها ! مقيمة في امريكا.
هذا المنشور نشر في قصص قصيرة. حفظ الرابط الثابت.

أضف تعليق